ما هي نظرية الاوتار String Theory

 


من ماذا تتكون الاشياء التي تشكل هذا الكون؟

تخبرنا فيزياء الثانوية العامة انه يتكون من ذرات. وهذه الذرات تشكل الـ 90 عنصرا طبيعيا التي تبني الكون من حولنا. ولكن, من ماذا تتشكل هذه الذرات؟

في القرن الاخير قمنا بتفكيك الذرات وفي النهاية وصلنا الى الالكترونات "Electrons" والكواركس "Quarks". المكونات الاساسية في بناء اي ذرة. ولكن هل هي حقا المكونات الاساسية؟ وهل وصلنا الى اصغر شيء في الكون؟

اعتمادا على نظرية الاوتار "String Theory" الجواب هو لا! فنظرية الاوتار تقول ان كل شيء في الكون من الجزيئات والضوء هي عبارة عن اوتار متناهية الصغر وهذه الاوتار تهتز. هذه الاوتار صغير بشكل لا يصدق فهي اصغر بمليارات المرات من البروتون الموجود في نواة الذرة. 

وهذه الاوتار تهتز بسرعة عالية تتجاوز مليارات المرات في الثانية الواحدة. واهتزازها يكون في 10 ابعاد فضائية, وقد يكون عددها 12. وربما 26 بعد! فلماذا الفيزيائيون المعروفون بعقلانيتهم يظنون ان هذه هي الطريقة التي يعمل بها الكون؟ لنفهم ذلك علينا ان نرجع 100 سنة الى الوراء.

general relativity & Quantum mechanics

نظريتان غير متوافقتان

كانت نهاية القرن التاسع عشر فترة الذروة لعلم الفيزياء. فالعلماء كانوا يعتقدون انهم قد فهموا الجاذبية, الكهرباء, المغناطيسية, الحرارة والغازات. ففي عام 1900 قال لورد كيلفن "Lord Kelvin" انه "لا شيء جديد لاكتشافه في علم الفيزياء"!.

ولكن لم يمضي وقت طويل حتى بدأ هذا المفهوم بالتداعي. اينشتاين قام بتغيير مفاهيم الفيزياء المتعلقة بالزمان والمكان بنظريتيه النسبية العامة والخاصة. وقام بلانك, بور و هايزنبيرج باكتشاف ان عالم الجسيمات متناهية الصغر يطيع قوانين ميكانيكا الكم التي قد تبدو للوهلة الاولى غير منطقية. ولكن بالرغم من هذه النجاحات لم يكن الفيزيائيون سعداء.

المشكلة كانت بالقوى. فقد تم التوصل الى انه هناك اربع قوى اساسية تتحكم بالكون: الجاذبية, الكهرومغناطيسية. القوى النووية الضعيفة والقوية. وبين هذه القوى القوتان النوويتان (الضعيفة والقوية) يعملان فقط على المستوى الذري. ولكن على مستوى الكون العملاق فهو صراع دائم بين الجاذبية وقوى الكهرومغناطيسية. 

توصف معادلات اينشتاين الجاذبية بطريقة جميلة حيث يفسرها على انها تعرج وانطواء في الزمكان. ولكن القوى الثلاث الاخرى كتبت بلغة ميكانيكا الكم. وهذين النموذجين من المعادلات غير متوافقين تماما. وهذا الوضع يحبط الفيزيائيين بشكل كبير, حيث عليهم تذكر نظامين مختلفين و مستقلين لوصف فيزياء الكون.

وهذا الوضع ايضا يقلقهم, فهم غير قادرين على وصفف العمليات الفيزيائية في الاوضاع التي تكون فيها القوى الكونية الاساسية الاربعة في صراع فيما بينها. كما في نشأة الكون أو في مركز الثقوب السوداء. ولهذا فهم يبحثون عن نظام رياضي واحد يوصف القوى الاساسية الاربعة. نظرية موحدة تعني ان عليهم حفظ معادلات اقل. وهذا البحث عن النظرية الموحدة يقودنا الى نظرية الاوتار.



أوتار مهتزة يعزف كل منها لحناً كونياً

ككيثر من النظريات العلمية، كانت ولادة نظرية الاوتار مصحوبة بكثير من المشاكل.

فقد ولدت من مخلفات الحرب الفيزيائية الناتجة عن الفيزياء الذرية. التي قادتنا الى اكتشاف ان الكون يبدو انه يتشكل من عائلة صغيرة من الجزيئات الاساسية ( الكواركس "Quarks" والبتونز "Leptons" و البوزونات الحاملة للقوى الاساسية "force-carrying bosons".

وقد ساعدنا هذا على الوصول الى فهم لهذه الجزيئات التي تبدو انها في تزايد مستمر التي تنتج من المسارعات الذرية. ولكن الفيزيائيين سألوا انفسهم عن امكانية ان هذه الجزيئات "الاساسية" هي نفسها تتكون من اشياء ابسط.

عندما قام العلماء بالبحث في الرياضيات التي توصف هذه الجزيئات، توصلوا الى اشياء متشابهة بين هذه الجزيئات. حيث يمكن تمثيلها كحلقات دائرية في بعد واحد تتكون من اشياء كالخيوط. وعند اهتزاز هذه الخيوط او"الاوتار" بطرق مختلفة فانه ينتج عنها جزيء مختلف. فاهتزاز يعطينا الالكترونات, واهتزاز آخر يعطينا الكواركس، واخر يعطينا الفوتونات (جزيء الضوء).

هذه الاوتار لا تتكون من اشياء اصغر، فهي تعتبر الاجزاء الاساسية الحقيقية التي يتشكل منها هذا الكون. 

ولكن رياضيات نظرية الأوتار غريبة بعض الشيء، وعند ربط الأشياء مع بعضها يحتاج العلماء الى اضافة ابعاد فضائية جديدة لجعل هذه النظرية تعمل. وهذه الابعاد اكثر بكثير من الابعاد الفضائية الثلاثة التي يمكننا مشاهدتها في حياتنا اليومية. اذا كانت نظرية الأوتار صحيحة فنحن بحاجة الى رياضيات و معادلات اكثر تعقيدا لاخفاء وجود هذه الابعاد الاضافية.

ولكن العلماء الذين يعملون على نظرية الاوتار شديدو الاصرار ولن يثنهم مدى تعقيد هذه المعادلات. حيث كانت هذه النظرية مغرية للعلماء لبساطتها -في ظاهره-ا لتفسير هذا الوجود. و مع تبلور هذه النظرية في عام ثمانينات القرن الماضي، ازداد انتشارها و توسعت الى مجموعة من الافكار عرفت ب "M-Theory" مع ان لا احد يعرف ما تعنيه "M" هنا! 

المصدقون لهذه النظرية واثقون انهم على حق وانهم على الطريق الصحيح لتوحيد نظريات فيزياء الكون. و انهم قريبا سيكونون قادرين على الامساك بكل الخيوط و اعلان الانتصار على نظرية القوى الاساسية في الكون.

معادلات جميلة ولكن يستحيل اثباتها!

ليس الجميع متنع بهذه النظرية! مع ان المجلات العلمية تحتوي آلاف و آلاف الصحفات من الاثباتات الرياضية لنظرية الاوتار، جميعها ينقصها شيء مهم وهو توقعات ناتجة عن هذه النظرية يمكن اثباتها بالتجارب.

لنتمكن من مراقبة هذه الاوتار على صغر حجمها فنحن بحاجة الى بناء مسارع جزيئات بحجم ضخم جدا، على الاقل بحجم مجرة درب التبانة ان لم يكن بحجم الكون المرئي! وكما يمكنك ان تتصور اذا لم يتغير شيء في معادلات نظرية الاوتار فان اي تجارب على هذه النظرية تبدوا مستحيلة المنال.

ولكن هذا لم يثني العلماء عن مسعاهم، حتى اذا لم نتمكن من تجريب النظرية، يقولون انه يجب ان نستمر بالعمل عليها لجمال هذه الفكرة. فمن المستحيل ان تكون خاطئة! ويقولون انه بمجهود اكثر يمكننا ان نصل الى النظرية التي توصف كل شيء في الكون.

لكن بالنسبة للعلماء الاخرين، فانهم يرون ان هذه النظرية قد تمادت، فالعلم بلا توقعات لا يعتبر علما من الاساس، انها محض معادلات رياضية. واذا لم نتمكن من اجراء تجارب على هذه النظرية فهي لن تعتبر علما في يوم من الايام. هؤلاء العلماء يعتقدون ان العاملين على هذه النظرية يسيرون في طريق مسدود بحثا عن اهم نظرية في علم الفيزياء.

في الحقيقة، نحن لا نعرف. 

نحن لا نعرف اذا كانت اي من النظريات التي نعمل عليها تقودنا الى النظرية الموحدة لوصف كل شيء في الكون، أو ان هذا يتطلب النظر الى جهة اخرى كليا. والاسوأ هو اننا غير متيقنين من وجود مثل هذه النظرية الموحدة اساسا! ولكن هذا لن يوقف الفيزيائيين عن البحث عن اجوبة لهذه الاسئلة.

ليست هناك تعليقات