ما هي الثقوب السوداء و كيف نشأت
حاول القفز عاليا حتى تخرج من الغلاف الجوي للارض. ماذا سيحصل؟ لماذا لم تستطع القفز بعيدا؟ قوة الجاذبية تسحبك للاسفل بسرعة. يمكنك القفز لمسافة اعلى على سطح المريخ و اكثر من ذلك على سطح القمر، لانهما يملكان كتلة اقل من كتلة الارض. تاثير قوة الجاذبية على سطح القمر هي سدس مقدارها على سطح الارض.
فأنت تقريبا عالق على سطح الارض. الا اذا وجدت صاروخ يقلك بسرعة تسمح لك بالخروج من الغلاف الجوي. هكذا يعمل برنامج الفضاء لدى ناسا وغيرها، فاذا اطلقت شيئا بسرعة كافية، يمكنه الهروب من الجاذبية والوصول الى الفضاء الخارجي. ولكن تمهل قليلا، هناك حد للسرعة القصوى التي يمكن ان تصلها، وهي سرعة الضوء. فماذا لو كانت سرعة هروبك من الجاذبية اكبر من سرعة الضوء؟ بمعنى آخر، ماذا لو كانت الجاذبية قوية بشكل يسمح لها بحبس الضوء نفسه؟.
عندها تكون قد وجدت نفسك داخل ثقب اسود. فالثقب الاسود هو جرم ذو جاذبية عالية بحيث انه يمنع حتى الضوء من الخروج. أفق الحدث او الـ "Event Horizon" هو المكان الذي يفقد فيه الضوء قدرته عن الهروب من الثقب الاسود. لا شيء يدخل افق الحدث يستطيع الخروج مرة اخرى، ولا حتى الضوء.
الثقوب السوداء يمكن ان تنتج عن الانهيار التثاقلي (او التجاذبي) "gravitational collapse" لنجوم عملاقة يبلغ حجمها على الاقل ضعفي حجم شمسنا. في الوضع الطبيعي فالنجوم توازن بين الجاذبية و قوى الانصهار النووي التي تحصل في قلب النجم. ولكن عندما يزداد عمر النجم فانه يكون قد استهلك معظم الهيدروجين الموجود فيه وحوله الى هيليوم و من ثم يتحول الهيليوم الى عناصر اثقل مثل الحديد والنيكل. ولنهاية النجم ثلاث خيارات يمكن ان يؤول اليها. أول خياران اذا كان حجم النجم اقل من ضعفي حجم شمسنا ويعتمدان على ضغط فيرميون الدفعي "fermionic repulsion pressure" والذي توصفه ميكانيكا الكم. حيث لا يمكن وجود اثنين من الفيرميون في نفس حالة الكم في نفس الوقت. وهذا يعني ان المصيران المستقران لنجم يموت هما:
- قزم ابيض ناتج عن الضغط الفيرميوني للالكترونات للعناصر الثقيلة في قلب النجم.
- نجم نيوتروني ناتج عن الضغط الفيرميوني للنيوترونات في أنوية العناصر الثقيلة في قلب النجم.
في هذه الحالة فان الضغط الفيروميوني سواءا للالكترونات او النيوترونات غير كافي لمنع الانهيار التثاقلي للنجم حتى يصبح ثقبا اسود.
العمر المقدر للكون هو اكبر باضعاف من متوسط اعمار النجوم. وهذا يعني انه لا بد من وجود الكثير من النجوم فيما سبق والتي تزيد كتلتها عن ضعفي كتلة شمسنا والتي نفذ وقودها منذ زمن بعيد. وهذا يعني ان الكون لا بد ان يحتوي على كم هائل من الثقوب السوداء اذا كان النموذج الذي اوجدناه لطريقة نشئتها صحيحا. و نضيف ايضا ان الثقوب السوداء الناتجة عن نهاية نجم واحد لا يتعدى قطرها 2 الى 100 ضعف قطر شمسنا.
هنالك طريقة اخرى لتشكل الثقوب السوداء، وهي الانهيار التجاذبي لمركز تجمع كبير من النجوم. هذا النوع من الثقوب السوداء يكون حجمها اكبر بمراحل من حجم شمسنا. ومن المتوقع وجود واحد من هذا النوع في مركز كل مجرة بما في ذلك مجرتنا درب التبانة. الصورة التي في بداية هذا المقال هي لثقب اسود عملاق في منتصف المجرة المسماة NGC 7052، يحيط به سحابة مضيئة من الغبار قطرها 3700 سنة ضوئية. كتلة هذا الثقب الاسود تقدر ب 300 مليون ضعف كتلة شمسنا!
والآن ما هي خصائص الثقوب السوداء؟
منذ اطلاق تلسكوب هابل الفضائي "Hubble Space Telescope" في عام 1990، اصبح هناك الكثير من المشاهدات لأجرام نعتقد انها ثقوب سوداء. بما في ذلك الصورة في الاعلى للثقب الاسود في مركز مجرة NGC 6251. ولكن موضوع الثقوب السوداء بدأ في الاصل في الفيزياء النظرية قبل ان يكون هناك مشاهدات فلكية لها.
النظرية النسبية لاينشتاين اعطت علماء الفلك المعادلات الرياضية الازمة لوصف قوى الجاذبية بطريقة تتوافق مع سرعة الضوء الثابتة. فمعظم ما نظن اننا نعرفه عن الثقوب السوداء قد جاء من نماذج نظرية خاضعة للنسبية العامة. ولكن حتى نتمكن من مشاهدة الثقوب السوداء علينا ان نعرف كيف تترجم هذه النماذج على ارض الواقع في فضاء مليء بالاجرام الاخرى.
الثقوب السوداء النظرية
في النماذج النظرية للثقوب السوداء، يتم دراسة الثقوب السوداء على انها الشيء الوحيد الموجود في الكون. استخدام هذا التبسيط يمكننا من حل معادلات النسبية المعقدة، ويمكننا الوصول الى توقعات حول خصائص الثقوب السوداء. وتكون هذه التوقعات مفيدة في دراسة ما نراه في الحقيقة عن الثقوب السوداء. وبالاضافة فانها تمكننا من معرفة بعض الاشياء عن الثقوب السوداء التي من غير المرجح ان نتمكن من مشاهدتها بانفسنا.
ومن هذه الخصائص التي تمكنا من الوصول اليها رياضيا فقط و من دون مشاهدات:
- مساحة أفق الحدث يمكن فقط ان تزيد ولا يمكن ان تنقص. و هذا يعني انه يمكن لثقبين اسودين ان يندمجا ليشكلا ثقبا واحدا، ولكن لا يمكن لثقب واحد ان ينقسم ليشكل ثقبين.
- قوة الجاذبية متساوية على سطح أفق الحدث ولديها نفس القيمة في كل مكان.
لاحظ انه استنادا للخاصية الاولى، فانه من غير الممكن ان يضمحل الثقب الاسود ويختفي، لان من غير الممكن ان يصغر الثقب الاسود او ينقسم. ولكن هذا كله يتغير عندما تدخل ميكانيكا الكم في الصورة، وهذا ما سنتحدث عنه في مقالات لاحقة.
الثقوب السوداء التي نشاهدها
اذا كان الثقب الاسود يحجز كل الضوء الذي يعبر من افق الحدث. اذا كيف يمكن ان نشاهد ثقبا اسود؟
في المفهوم النظري الرياضي للثقوب السوداء فاننا نعاملها على انها توجد وحيدة في الفضاء بدون اجرام تحيط بها. ولكن في الطبيعة، فهي محاطة بالغبار والغازات بالاضافة للنجوم، الكواكب والمجرات. عندما يسحب الغبار والغاز من قبل الثقب الاسود، فانها قد تسحب بسرعة عالية قد تؤدي الى تأين ذراتها مما يجعلها تطلق ضوء ساطع يهرب منها قبل وصول افق الحدث.
اذا فالطريقة التي تتيح لعلماء الفضاء والفلك من رصد الثقوب السوداء هي البحث عن الضوء الناتج عن تأين الغبار والغازات والتي يتم سحبها بسرعة عالية مما لا يترك مجال للشك انها سحبت نحو ثقب اسود. ولكن هذا الضوء من الصعب رصده لانه محاط بسحب عملاقة من الغبار والغاز قد تخفي معالم الثقب الاسود كما رأينا في الصور في هذا المقال.
ولكن مؤخرا تمكنا من التقاط صورة واضحة لثقب اسود في مركز المجرة M87 باستخدام تيليسكوب افق الحدث "Event Horizon Telescope". وفي هذا الصورة ما نشاهده فعليا هو الضوء الناتج عن الغازات المحيطة بالثقب الاسود.
التعليقات على الموضوع